الجزء الأول :الفصل الرابع

From Baka-Tsuki
Jump to navigation Jump to search

هل هذه نكتة أم ماذا؟ تريديننا أن نلتقي الساعة التاسعة صباحاً في يوم اجازة؟؟ كنت بالرغم من شكاواي هذه أضغط على الدواسة بأسرع ما عندي . لقد أصبحت بلا شك حالة ميئوساً منها!

كان موقع محطة كيتاغوشي المتموضع في وسط المدينة قد أكسبها أهمية بين المحطات ، و لذلك فيلحظ المرء الكثير من المحلات المتنقلة في نهاية الأسبوع في الساحة المقابلة للمحطة .

إذا استثنينا الذهاب إلى احدى المدن المجاورة القريبة ، فإنه ليس هناك الكثير لفلعه سوى الذهاب إلى السوق القريب من هذه المحطة . دائماً تصيبني قدرة سكان هذه المدينة على مواصلة حياتهم الطبيعية بالذهول ، ذلك بالطبع نظراً للقليل الموجود هنا.

بعدما أوقفت دراجتي بجانب إحدى البوابات المغلقة ،جريت إلى الجانب الآخر إلى البوابة الشمالية للمحطة لأفاجئ بأن الجميع كانوا قد وصلوا قبلي ، ذلك بالرغم من أن الساعة كانت لا تزال التاسعة إلا خمساً.


استدارت هاروهي تجاهي و قالت:


" متأخر! و ستدفع ثمن ذلك!"

" لكنها ليست التاسعة بعد."

" حتى ولو لم تتأخر عن الوقت المحدد فإن الشخص اللذي يصير أخيراً لابد أن يعاقب! تلك هي القاعدة!"

" و ما سبب أنني لم أسمع بهذه القاعدة الغبية من قبل؟"

" لأنني ابتكرتها لتوي بالطبع!"

كان واضحاً أن هاروهي – اللتي كانت ترتدي تي شيرت ذا أكمام طويلة و تنورة جينز قصيرة- كانت في مزاج جيد.

" عقابك سيكون أن تدفع ثمن المشروبات للجميع!"

لم تبد هاروهي وهي تضع يديها على وسطها نكدة كعادتها .


اساهينا- سان كانت تلبس ثوباً أبيض بلا اكمام و سترة زرقاء فاتحة و مطرزة فوقه . كان شعرها الطويل المتموج مثبتاً من جانبيه بدبوس للشعر . كان يتحرك بطريقة جذابة خفيفة متابعاً حركاتها هي الأخرى . و حتى حقيبة اليد الخاصة بها كانت عصرية.

بجانبها كان يقف كويزمي. كان يرتدي سترة فوق قميص وردي و ربطة عنق حمراء . كان مظهره يوحي بالجدية في تلك الثياب. الإعتراف بأنه كان يبدوا متمكناً و أوسم مني مزعج ، هذا إن استثنينا أنه أطول ايضاً.


ناغاتو كانت كالعادة تقف في الخلف بلباس المدرسة . هي ولو كانت ترى نفسها جزءاً من لواء س أو س لا تزال (على الورق على الأقل) رئيسة النادي الأدبي . أما أنا فقد اعترتني المزيد من الشكوك بشأن هذه الفتاة الباردة كالثلج ،خصوصاً بعد أن سمعت كلامها الغريب ذلك اليوم . بالمناسبة، لم لا تزال ترتدي اللباس المدرسي في يوم عطلة؟

بعدما دخل الخماسي الغامض إلى المقهى و جلس على إحدى الطاولات ، أتت النادلة لتأخذ طلباتنا . كانت ناغاتو هي الوحيدة اللتي بقيت تحدق بعمق في القائمة – بوجه خالٍ من التعابير بالطبع- و أخذت وقتها وهي تقرر ماذا تريد . في الواقع فإن الوقت اللذي استغرقته كان كافياً لإعداد طبق من [1] الرامين!


و في النهاية:

"شاي باللوز."

كان ذلك كل ما خرج من فمها.

ليس مهماً ماللذي تطلبينه على أية حال ، فاللذي سيدفع هو أنا...

اقترحت علينا هاروهي الآتي:

سنقسم أنفسنا إلى مجموعتين ، و في اللحظة اللتي يجد أحدنا فيها شيئاً غامضاً فعليه أن يخبر الآخرين و بالذات المجموعة الأخرى عبر الهاتف ، ذلك لكي نجتمع و نقرر ماذا سنفعله حيال هذا الأكتشاف. و عندما تنتهي المسألة فسنعقد اجتماعاً ثانياً نستذكر فيه ما حصل و نحدد التطورات المستقبلية. هذا كل شئ.

" و الآن فلنقم بإجراء قرعة!"

قامت هاروهي بأخذ خمس نكاشات أسنان و وضعت علامة على اثنتين منهم بقلم استعارته من النادلة . بعد ذلك قلبت النكاشات في يدها لكي تخفي الأجزاء المعلمة و أشارت لنا لكي نسحب .

سحبت نكاشة معلمة ، كذلك اساهينا- سان اللتي قالت وهي تحدق في نكاشتها : "هممم، ياله من تقسيم غريب.."

لسبب غير معروف نظرت إلينا هاروهي بعيون جليدية و صرخت في وجهي قائلة: فلستمعني جيداً يا كيون! هذا ليس موعداً ، هل تفهم؟؟ خذ الأمر بجدية!"


" نعم ، نعم!!"

هل تسرب حماسي إليها مما قلته؟ لا يهم ، أنا محظوظ على أية حال! كنت أرقص في داخلي من السعادة و أنا أنظر إلى اساهينا- سان وهي تحدق بخجل في عود الأسنان . ها ها!

" عن ماذا نبحث بالضبط إن سمحتي لي بالسؤال؟" سأل كويزومي في نفس الوقت اللذي كانتفيه ناغاتو تشرب شايها بطريقة ممنهجة.

مع دخول آخر قطرة فم ناغاتو ، اعادت هاروهي شعرها إلى ما خلف اذنيها و أعلنت:

" كل ما يبدوا مريباً. بل كل شخص و شئ يبدوا غريباً أيضاً . أبقوا عيونكم مفتوحة لبوابات إلى أبعاد أخرى أو فضائيين متنكرين كبشر."

كدت أن أبصق شاي النعناع من فمي . في صدفة غريبة ، كان التعبير على وجه اساهينا- سان شبيهاً بذلك على وجهي . ناغاتو لم يرمش لها جفن كالعادة.

" لقد فهمت. " قال كويزومي.

هل أنت متأكد أنك فهمتها حقاً؟

" القصد هو أن نبحث عن فضائيين ، عن مسافرين عبر الزمن ، و عن بشر ذوي قدرات خارقة أو عن الآثار اللتي تركوها جميعاً على كوكبنا . لقد فهمتك تماماً. " قال كويزومي بوجه بشوش.

"بالضبط! أنت صبي ذكي كوزومي- كون ! هو بالضبط ما قلته! لماذا لا تتعلم منه قليلاً يا كيون؟!"

توقف عن رعاية كبريائها! هو كبير بمافيه الكفاية. نظرت إلى كويزومي في تذمّر ، رد علي بالأبتسام و هز رأسه بغباء.

" فللنطلق إذاً!"

دفعت هاروهي بالحساب تجاهي و هرعت إلى الخارج.

حتى ولو قلتها الف مرة..سأقولها مرة أخرى:

" يا إلهي...."


تذكر أن هذا ليس موعداً!! إن رأيتكما تمرحان مع بعضكما أثناء البحث فسيتم قطع بعض الرؤوس! قالت هاروهي ثم انصرفت مع ناغاتو و كويزومي. للأسف لست أدري حتى الآن مايجب أن أبحث عنه.

" و الآن ،ماذا نفعل؟"

كانت اساهينا- سان تنظر إلي بتقرقب و هي تمسك حقيبتها. كنت في الحقيقة أريد ببساطة العودة إلى المنزل ، لكن و لأني لم أستطع قول ذلك فتظاهرت بالتفكير للحظة ثم قلت:

" ليس هناك فائدة من الوقوف هنا و انتظار الوحي . لم لا نتمشى قليلاً؟"

" حسناً."

مشت اساهينا- سان معي حول المنطقة بوداعة ، إلا أن ترددها كان واضحاً عندما مشينا بجانب بعضنا. في كل مرة كانت تصطدم فيها بكتفي كانت تتراجع بخجل . كان منظرها بريئاً حقاً...

كنا نمشي على طريق بجانب النهر ، كان يؤدي إلى الشمال . لو جئنا إلى هنا قبل شهر لاستطعنا الاستمتاع بمنظر أشجار الكرز المذهل ، إلا إنها كانت بكل اسف نزهة عادية بجانب النهر.

لأن هذا المكان معروف بين أهل المدينة للنزهة فقد مررنا بالكثير من العائلات و العشاق ، لو أن أحد الغرباء نظر إلينا لظننا منهم و ليس من مجموعة حمقاء من الطلاب تلاحق الخوارق.

تذمرت اساهينا-سان لنفسها و هي تراقب تدفق الماء في النهر : " هذه أول مرة أقوم بنزهة مثل هذه !"

" ماللذي تقصدينه؟"

"..أي مع صبي ،لوحدي..."

" يصعب علي أن أقول أني توقعت ذلك . هل فعلا لم تكوني أبداً في علاقة مع أحد الفتيان؟"

" كلا.."

استدرت إلى اساهينا- سان اللتي كان شعرها المتموج يتراقص مع الريح ثم سألت: " واو! و لكن لاشك في أن الكثير من الشباب دعوك للخروج معهم أليس كذلك؟" هزت اساهينا- سان رأسها بالإيجاب في خجل ثم قالت : "ولكن ذلك غير ممكن. لا أستطيع الخروج معهم، ليس الآن على أية حال...:"

توقفت الفتاة فجأة ، و بينما كنت أنتظر أن تكمل كلامها ، مر بجانبنا ثلاثة أزواج من الفتيان و الفتيات.

" كيون- كون..."

كنت قد بدأت في عد الأوراق اللتي تساقطت على النهر عندما كلمتني اساهينا- سان. نظرت إلي اساهينا- سان في حياء و بدا لي أنها كانت تستجمع كل قوتها لتتكلم . أخيراً قالت لي : "لابد أن أخبرك شيئاً !" عيناها المستديرتان عكستا بوضوح التصميم اللذي قالت به تلك الكلمات.


جلسنا بعد ذلك على أحد المقاعد بجانب أشجار الكرز . ظلت اساهينا- سان صامتة لفترة ، ثم هزت رأسها و هي تهمس : " من أين يجدر بي البدأ؟ أنا سيئة أشد السوء في الشرح ، لاشك أنه لن يصدقني..."


رفعت رأسها أخيراً و بدأت في الكلام بنبرة ملموسة بالخجل : " أنا لست من هذه الحقبة الزمنية، قد أتيت من المستقبل. لا أستطيع أن أخبرك من متى أتيت أو متى أتيت . ليس لدي القدرة على ذلك على أية حال . إيصال معلومات تتعلق بالمستقبل إلى أشخاص يعيشون في الماضي هو من أشد المحرمات – و لذلك – تم إخضاعي لتنويم مغناطيسي شديد . عندما أحاول التفوه بشئ لا يسمح لي التفوه به ، ستمحى ذكرياتي عندها مباشرة.


تنفست اساهينا- سان بعمق و أكملت :" بعكس هذا الماء اللذي يجري في النهر فإن مستويات الزمن تتكون من طبقات مختلفة و ثنائية الأبعاد." " لقد فقدتيني منذ بداية حديثك هذا ."

" هممم إذاً فنلحاول الآتي. أريد منك أن تتصور أنك تشاهد أحد تلك الافلام الكرتونية القديمة اللتي كانت تتحرك بتحريك مقبض ما أو بتقليب صفحات وراء بعضها . نحن نرى الشخصيات تتحرك أمامنا ، إلا أنها الحقيقة أنها تتكون من الكثير من الصور الثابتة . الزمن يتحرك بنفس الطريقة ، الفرق أن ذلك يتم بطريقة رقمية. ربما بمثال الصور المتعاقبة هذا تصبح الفكرة أقرب إلى ذهنك. ما بين كل مستوى زمني و آخر يوجد هناك ما يسمى بالتصدعات الزمنية . هذه التصدعات موجودة حتى عندما تقترب فرصة وجودها صفراً . معنى ذلك أنه لا يوجد اتصال بين المستويات الزمنية و بعضها البعض . لذلك فالسفر عبر الزمن هو محاولة التحرك بثلاثية الابعاد ما بين المستويات الزمنية ثنائية الابعاد. بالنسبة لي ، لأني سافرت عبر الزمن ، فإن المسألة تشبه رسم شئ إضافي على الصورة في الفلم . حتى ولو حاولت تغيير الماضي فإن ذلك لن يؤثر على المستقبل . كل ما هنالك على الصورة سيظل . سيكون الأمر شبيهاً بكتابة بضع كلمات صغيرة على إحدى الصور من بين المئات منها . القصة في حد ذاتها لن تتغير أليس كذلك؟ الزمن ليس مثل هذا النهر هنا ، كل حركة صغيرة تنتمي إلى مستوى زمني رقمي . هل فهمتني؟"


ترددت قليلاً قبل أن أضع يدي على جبيني إلا أنني فعلت ذلك على أية حال.

" مستوى زمني ، مرقم ، هذه المصطلحات لا تخبرني لشئ ، و لكن... ماهذا اللذي تقولينه بخصوص السفر عبر الزمن؟"

بدأت اساهينا- سان تنظر إلى أصابع قدميها اللتي تسللت من خلال الصندل اللذي كانت تلبسه ثم أكملت: " دعني أحدثك عن السبب اللذي دفعني للسفر إلى هذى المستوى.."

مر أمامنا في تلك اللحظة زوجان و ابنهما الصغير.

"قبل ثلاث سنين استطعنا رصد هزة زمنية . همم أظن أنها ثلاث سنين من هذا اليوم بالضبط ، اليوم اللذي دخلت فيه سوزوميا- سان إلى المدرسة الإعدادية. عند ذلك اصبنا نحن بالصدمة التامة ، فعندما حاولنا العودة إلى الزمن أكثر من ذلك لتحري هذه الهزة، اكتشفنا عدم قدرتنا على ذلك . "

" لماذا ثلاث سنين مرة أخرى؟"

"توصلنا إلى أن صدعاً زمنياً كبيراً أتى إلى الوجود ، إلا أننا لا نعلم لماذا يتواجد فقط في هذ الإطار الزمني . قبل فترة قصيرة بسيطة فقط استطعنا معرفة ذلك..... عفواً قصدت ذلك في الزمن اللذي أتيت منه"

" و ماكان هذا السبب؟؟"


هل هي الفاعل؟ هل ذلك ممكن؟


" السبب هو سوزوميا- سان."

قالت اساهينا- سان بالضبط الكلمات اللتي لم أكن أريد سماعها. هي تقف بالضبط في وسط البعد الرابع و أرجوك لا تسألني كيف ، فليس مسموحاً لي قول ذلك . على أية حال ، نحن متأكدون أن سوزوميا- سان هي اللتي تقطع الطريق إلى الماضي.

" لست أظن البتة أن هاروهي قادرة على شئ مثل هذا.."

" لست أظن ذلك أيضاً. واقعياً ، فإنه ليس من الممكن لانسان عادي أن يؤثر على مستويات الزمن بأي شكل من الأشكال. ذلك لا يزال لغزاً غامضاً ، بل سوزوميا- سان نفسها لا تملك أدنى فكرة أنها مصدر هذه الهزات و التشققات الزمنية . لقد انضممت إلى سوزوميا- سان كي أستطيع ملاحظة جميع التغيرات في الخطوط الزمنية اللتي تحصل بسببها.... يؤلمني أنني لا أجد كلمات أفضل من هذه لوصف الأمر. فلنقل فقط أنني المسؤلة عن المراقبة."

"....."

أغلقت الصدمة فمي تماماً.


" أنت لا تصدقني ، أليس كذلك؟"

" لا ..... أرجوك أخبريني ، لم قلتي لي كل هذا؟"


"لأنك تم اختيارك ... من قبل سوزوميا- سان."

استدارت اساهينا- سان في اتجاها و ركزت عينيها علي.

للأسف لا أستطيع إخبارك بالتفاصيل و لكنني أعلم أنك شخص مهم جداً بالنسبة لسوزوميا- سان . كل شئ تفعله له سبب."


" إذا فناغاتو و كويزومي..."


" هما ايضاً مثلي ، لكن سوزوميا- سان لا تعلم حتى الآن أننا هنا بسببها."

"أليس لديك فكرة عمن أو ما هي؟"

" تلك أمور سرية."

" ماذا سيحدث إن تركنا هاروهي تفعل ما تشاء؟"

" أمور سرية."

" أنت أتيت من المستقبل ، إذاً لابد لك أن تعلمي ماللذي سيحصل أليس كذلك؟"

" أمور سرية."

" ماللذي سيحدث إن أخبرت هاروهي بكل هذا؟؟"

"أمور سرية."

"..."

" سامحني و لكني فعلا لا أستطيع إخبارك . الآن بالذات أكثر من أي وقت آخر ، حيث أني لا أملك الحق لفعل ذلك." قالت اساهينا- سان بتعابير آسفة.

" ليس مهماً كثيراً صدقتني أو لا ، أردت إخبارك فقط على أية حال."


بدأت أتذكر أنني سمعت كلاماً مشابهاً في شقة صغيرة في ليلة مقفرة.

"أنا آسفة."

اعتذرت لي بنظرة تشوبها الكئابة بعد أن رأتني صامتاً .

"أنا آسفة لأني أخبرتك كل هذا و بهذا التبسيط."

" لست منزعجاً ، صدقاً."


أولاً أتت ناغاتو و أخبرتني أنها كائن حي مصمم على هيئة الأنسان[2] من قبل الفضائيين ، و الآن تأتي اساهينا- سان لتزعم أنها أتت من المستقبل. كيف يجدر بي أن أصدق ذلك؟ هل يمكن لأحدهم أن يعطيني نصيحة؟


إثرما وضعت يدي على المقعد لمست عن طريق الخطأ يد اساهينا- سان ، و بالرغم من أنني لامست اصابعها الصغيرة للحظة فقط ، فإنها وبعد أن سحبت يدها بسرعة البرق طأطأت رأسها في خجل.

حدق كلانا بصمت في النهر الجاري . مر الوقت ببطأ .

"اساهينا- سان."

" نعم..؟"

"هل يمكنني التظاهر بأن هذا الحديث لم يحصل؟ بغض النظر عن تصديقي لكي أو لا ، فلنضع ذلك جانباً."

ارتسمت ابتسامة على وجه اساهينا- سان . ابتسامة جميلة جداً.

" هذا يبدوا أفضل حل في الوقت الحالي . أرجوا منك أن تتعامل معي بالضبط مثل ما كنت تفعل ذلك سابقاً."

بعد أن قالت ذلك ، انحنت اساهينا- سان لي انحناءة عميقة . اساهينا- سان ! ذلك ليس ضرورياً بالمرة!

" هل يمكنني أن اسألك سؤالاً اخيراً؟"

" ماهو؟"

" أخبريني بعمرك الحقيقي من فضلك."

" أمور سرية ."

ابتسمت اساهينا- سان في شقاوة.


قمنا بعد ذلك بأخذ جولة في الشوارع المحيطة ،و بالرغم من أوامر هاروهي الصريحة بعدم الخروج في موعد ، لم تكن لدي أدنى نية في طاعتها. قمنا بالنظر إلى نوافذ المحلات في مركز التسوق ، استمتعنا بأكل بعض الآيس كريم و اختلسنا بعض النظرات من منصات بيع الهدايا على ناصية الشارع ..... باختصار الأشياء اللتي يفعلها الأحباب هذه الأيام لتمضية الوقت معاً . كان الأمر ليكون مثالياً لو أننا أمسكنا يدي بعضنا...

في تلك اللحظة رن هاتفي : كان المتصل بالطبع هاروهي.

" اللقاء سيكون في منتصف اليوم . في نفس المحطة اللتي التقينا فيها صباحاً ."

أغلقت هاروهي الهاتف مباشرة بعد أن أخبرتني بما تريد. نظرت إلى ساعتي و رأيت أنها كانت تشير إلى الحادية و النصف . من المستحيل أن في الموعد!

" هل كانت تلك سوزوميا- سان؟ ماللذي قالته؟"

" قالت أنه يجدر بنا اللقاء مرة أخرى منتصف اليوم ، يجدر بنا أن نسرع إن كنا لا نريد أن نتأخر!"

أخذت بيد اساهينا- سان بسرعة مع علمي بأنه ليس بإمكاننا الوصول إلى المحطة بحلول الساعة الثانية عشرة مهما ركضنا . سألتها كيف تتوقع أن يكون رد فعل هاروهي إن رأتنا نركض يداً بيد ؟ أظن أنها ستغضب بشدة.

" هل وجدتما شيئاً؟؟"

وصلنا متأخرين عشر دقائق عن الموعد و كان هذا اول سؤال وجهته لنا هاروهي بعد وصولنا ، كانت الغضب يتسرب من ملاحمها.

" لا ، لاشئ."

" هل بحثتما بعد أن افترقنا من الأساس؟ لقد ضيعتما الوقت في اللعب أليس كذلك؟؟ ماذا حلّ بك ميكورو- شان؟"

هزت اساهينا- سان رأسها.

" ماذا عنكم أنتم؟ هل وجدتم شيئاً؟؟"

سكتت هاروهي ، و هز كويزومي اللذي كان واقفاً خلفها رأسه بالنفي . أما ناغاتو فوقفت كعادتها بلا حراك.

مرت لحظات لم يتجرأ أحد أن يقول فيها شيئاً ، إلا أن هاروهي كسرت الصمت بقولها : فلنذهب أولاً لنأكل شيئاً قبل أن نعود لاستكمال البحث."

لازالت لديك النية في البحث ؟!

بعد أن أكلنا الغداء في أحد مطاعم الوجبات السريعة أعربت هاروهي عن نيتها حلّ المجموعات الحالية و استخدام القرعة لتحديد مجموعات جديدة ، ثم تناولت بعضاً من أعواد الاسنان اللتي سرقتها من المقهى صباحاً على إثر ذلك . لقد أتت مستعدة لا شك في ذلك!

سحب كويزومي أحد الاعواد سريعاً .

" عود غير معلّم مرة أخرى." أسنانه بيضاء بشكل مخيف! بدأت اقتنع بالتدريج أن الابتسامة لا تفارق وجهه حرفياً!

" ماللذي حصلت عليه كيون- كون ؟"

" للأسف العود اللذي حصلت عليه معّلم ."

بدى أن مزاج هاروهي اللتي دفعت ناغاتو لتسحب عوداً كان يأخذ قفزات إلى الاسفل .


في النهاية أصبحت أنا و ناغاتو في مجموعة و الثلاثة الآخرين في مجموعة أخرى.

"...."

حدقّت هاروهي في العود الخالي من العلامات كأنها تحدّق في وجه قاتل أبيها ، ثم استدارت إلي و ناغاتو ، اللتي كانت بالمناسبة منشغلة بأكل البرغر بالجبنة ، و نظرت إلينا بعيون سوداء.


لم كل هذا الغضب؟

" سنلتقي الساعة الرابعة أمام المحطة ، كونا حريصين أن تجدا شيئاً حتى ذلك الحين!"

بعد أن ألقت علينا أوامرها ، شربت هاروهي عصير الليمون الموضوع أمامها في شربة واحدة و انصرفت.


قررنا هذه المرة أن تذهب إحدى المجموعتين جنوباً و الأخرى شمالاً ، أنا و ناغاتو كنا في المجموعة الجنوبية.

قبل أن نفترق لوّحت اساهينا- سان بيدها الصغيرة في اتجاهي .أشعرني ذلك بالدفئ...

أصبحنا أنا و ناغاتو لوحدنا نقف أمام محطة ممتلئة.

" و الآن ، مالعمل؟"

"...." أطبقت ناغاتو فمها.

" فلنذهب من هنا.."

بدأت في السير و لاحظت أنها تلحقني. يبدوا أنني بدأت أتعود على التواجد معها.

" ناغاتو ، بخصوص اللذي كلمتيني عنه..."

" ماذا به؟"

" بدأت أصدق ما قلتيه."

" أحقاً ذلك؟"

“Yes.”

"..."

بقي هذا الجو الغريب بيننا و نحن ندور حول المحطة.


" هل لديك ملابس عادية ؟ غير لباس المدرسة؟"

"..."

" كيف تقضين وقتك في العطلات؟"

"..."

" هل تشعرين بالراحة الآن؟"

"..."


و هلم جرى ...


لم يكن هناك من فائدة من الدوران بلا هدف فأخذت ناغاتو إلى المكتبة القريبة من الشاطئ ، هذه المكتبة بالمناسبة تم بناؤها من قبل نفس المكتب اللذي تولى بناء المحطة . أما سبب أنني لم أرى المكتبة من الداخل هو ببساطة أنني لا أستعير الكتب بالعموم إلا نادراً . هو ليس مهماً على أية حال ، ظننت فقط أنه بإمكاننا أن نرتاح هناك قليلاً . للأسف لاحظنا أن الكراسي كانت جميعها محجوزة عند دخولنا ، ربما لا يعرف هؤلاء أيضاً ماذا يفعلوا بوقت فراغهم؟ أحسست بالضياع بعض الشئ عندما دخلنا إلى المكتبة ، أما ناغاتو فقد ذهبت في اتجاه الرفوف الممتلئة بالكتب كأنها منومة مغناطيسياً . فلتفعل ما تشاء!

كنت أقرأ كثيراً في الماضي . عندما كنت في المرحلة الابتدائية كانت أمي كثيراً ما تستعير لي كتباً من قسم الأطفال بالمكتبة كي أقرأها . كان الاختلاف بين هذه الكتب كبيراً حيث كانت من كل الانواع ، إلا أنني أتذكر رغم ذلك أنني وجدتها جميعاً مثيرة للاهتمام. هذا ليس مهماً الآن ، حيث أني لا أذكر اسم أيٍ من الكتب اللتي قرأتها . متى توقفت عن القراءة يا ترى؟ متى أصبحت القراءة مملة بالنسبة لي؟

أخذت كتاباً عشوائيأ من الرف و قلبت صفحاته بسرعة ثم أعدته و أخذت كتاباً آخر . سأبقى هنا للأبد إن أردت أن أجد كتاباً ممتعاً في هذا البحر من الكتب بدون أن ابحث جيداً. شغلت هذه الافكار بالي و أنا اتجول ما بين الرفوف العديدة.

عندما ذهبت لأبحث عن ناغاتو ، وجدتها تحمل في يدها أحد الكتب عند رف ممتلأ بكتب ضخمة ذات اغلفة سميكة . يبدوا أن هذه الفتاة لا تحب الكتاب إلا إن كان ذا وزن زائد!

لاحظت بعد قليل أن أحد الاشخاص اللذي كان يقرأ الجريدة قام أخيراً من مكانه ، قمت بسرقة الكرسي بسرعة و بدأت في قراءة رواية اخترتها عشوائياً . بطبيعة الحال فإن قراءة كتاب بدون أن يملك المرء النية أو الدافع لذلك ليس سهلاً ، بعد فترة بدأت أحس بالنعاس و لم يمض كثير من الوقت حتى غطّت عيناي.


في تلك اللحظة عينها أحسست باهتزاز مصدره جيب بنطالي.

"هيههه؟!"

أيقظتني الصدمة بعنف من النوم . للأسف كان الجميع يحدق فيّ بغرابة ، أصبحت واعياً بطريقة مؤلمة أني في مكتبة . خرجت بسرعة من المكتبة بعد أن أزلت آثار النوم من عيني و بدأت أفتح هاتفي المضبوط على وضعية الاهتزاز.

"أين أنت أيها الأحمق؟!!"

اخترقت ضوضاء ثاقبة للآذان أذني ، الآن أصبحت واعياً تماماً .

" قل لي كم الساعة الآن؟؟"

" آسف ، لقد استيقظت للتو."

" ماذا قلت؟! هل أنت جاد أيها الأبله؟!"

أنت آخر شخص له الحق في أن يعنتني ذلك!

نظرت إلى ساعتي بعد ذلك ، كانت تشير إلى الخامسة و النصف. الموعد المفترض للّقاء كان الساعة الرابعة!!

" تعالوا هنا حالاً! لديكم ثلاثون ثانية!!"

توقفي عن إعطاء أوامر مستحيلة التنفيذ!

أغلقت الهاتف ووضعته في جيبي بعد أن حصلت على نصيبي من سموم هاروهي الغاضبة ، ثم دخلت إلى المكتبة مرة أخرى . وجدت ناغاتو هناك تقف في نفس المكان اللذي تركتها فيه . الظاهر أنها تقرأ في إحدى الموسوعات.

ماحدث بعد ذلك يصعب شرحه بعض الشئ. تطلب مني الأمر جهداً فقط كي أدفع ناغاتو أن تتحرك ، ثم اضطررت أن املأ لها استمارة بطاقة مكتبية كي تتمكن من استعارة الكتاب. غني عن القول أني تجاهلت كل اتصالات هاروهي أثناء ذلك.


وصلت إلى المكان المتفق عليه مع ناغاتو ، اللتي كانت تحمل الكتاب الفلسفي السمين كأنه كنز. هذا الكتاب لم يكن مؤلفه اجنبياً فقط ، بل كان يملك اسماً يتعلثم الانسان اثناء لفظه. على أية حال عندما وصلنا برزت ردود الفعل المختلفة من اعضاء اللواء الآخرين . اساهينا- سان اللتي بدت متعبة ابتسمت و تنهدت في ارتياح ، كويزومي هز كتفيه بغباء بينما هاروهي ، واللتي رغم شربها للتو لحساء بارد ، صرخت.


" أنتما متأخران و ستدفعان الثمن! حرفياً!"

هل لابد أن أدعوكم على حسابي مرة أخرى؟

و بذلك انتهت نشاطاتنا الخارجية بضياع وقت الجميع و أموالي..

" كم أنا متعبة! كانت سوزوميا- سان تمشي بسرعة مرعبة ، تعبت و أنا احاول اللحاق بها." قالت لي اساهينا- سان قبل أن نفترق ، ثم همست في اذني : " شكراً لأنك اصغيت إليّ اليوم ." و ابتسمت بخجل.

هل ابتسامات كل أولئك اللذين أتوا من المستقبل بهذا الجمال؟

" إلى اللقاء!" لوحت اساهينا- سان يديها مودعة ثم مضت. وضع كويزومي يده بلطف على كتفي و قال: " كان اليوم ممتعاً حقاً بالنسبة لي ،لماذا أقول ذلك؟ ببساطة سوزوميا- سان شخصية لا تنفك عن اثارة اهتمامي. كان من المؤسف أنني لم أوفق كي أكون في مجموعة واحد معك ، ربما في المرة القادمة." بعد أن ذهب كوزومي حاملاً ابتسامته المزعجة معه ، اكتشفت أن ناغاتو كانت قد ذهبت هي الاخرى .

حدقّت هاروهي الباقية فيّ.

" ماذا فعلتَ أثناء اليوم؟"

"هممم، ماذا فعلتُ أثناء اليوم؟"

" لا تكرر كلامي هكذا!"

يبدوا أنها فعلاً غاضبة.

" ماذا عنك ؟ هل وجدت شيئاً مثيراً؟"

عضت هاروهي شفتها و سكتت. لو لم أوقفها لكانت أكملت حتى خرج الدم من شفتها.

" هم ليسوا بعدم الاكتراث بالمستوى اللذي يمكنني أن أجدهم في يوم واحد."

عندما لاحظت أنني احاول أن أرفع معنوياتها نظرت بعيداً عني.

" لابد أن نناقش الأمر مرة أخرى في المدرسة غداً."

بعد أن قالت ذلك تقدمت هاروهي علي و ذهبت دون أن تلقي نظرة واحدة إلى الوراء.


ظللت أفكر في عودتي إلى المنزل بعد هذا اليوم المتعب في طريقي إلى البنك. لاحظت عند وصولي أن دراجتي لم تكن هناك . مكانها وجدت لافتة تقول: " تم قطر دراجتك بسبب الإيقاف غير القانوني."










الفصل الثالث الصفحة الرئيسية الفصل الخامس