الجزء الأول :الفصل الخامس

From Baka-Tsuki
Jump to navigation Jump to search


حل الاثنين و أثبتت رطوبة الموسم الماطر وجودها في المدرسة،كانت الرطوبة بمكان أنها دفعت جميع الطلاب للتصبب عرقاً. لو أن أحد سياسيينا وعد ببناء مصعد على الشارع اللذي يمر على التلة لكان بإمكانه ضمان صوتي في اللحظة اللتي أصبح مؤهلاً للاقتراع فيها . جلست على كرسي في الصف و بدأت أبرّد نفسي بأحد الدفاتر كبديل بائس عن المروحة، و أنا منشغل بذلك رن الجرس و دخلت هاروهي متأخرة على غير عادتها مع رنينه.


رمت هاروهي بحقيبتها و قالت : " أرسل الهواء في اتجاهي ايضاً."


" افعلي ذلك بنفسك!"


تحول وجه هاروهي اللتي ودعتها أمام المحطة قبل يومين إلى تعبير مرير . كنت قد بدأت أحس أخيراً أن تعابيرها أصبحت أجمل و الآن عدنا إلى الوجه العابس المظلم مرة أخرى.


" أخبريني سوزوميا ، هل سمعت من قبل بقصة " طير السعادة الأزرق؟"


" ما هذه القصة؟"


" لا عليك ، ليس أمراً مهماً."


" إن كان كذلك فلا تسأل."


رمتني هاروهي بنظرة سوداء من الجانب بينما كان أوكابي- سينسي يدخل الصف. بدأت الحصة بعد ذلك.


في أثناء الدرس كانت تصدر من هاروهي هالة جافة غطت جميع ما حولها. كان أثر هذه الهالة على ظهري مزعجاً بطريقة لا تحتمل .و الراحة اللتي أحسست بها عندما دق جرس نهاية الدوام لم تعادلها أي راحة أحسستها من قبل . هربت مباشرة على إثره إلى غرفة النادي ، مثل فأر يهرب من حقل مشتعل.


أصبح منظر ناغاتو و هي تقرأ المنظر المعهود في النادي ، ذلك طبعاً إلى أن تتطور إلى قطعة ديكور تزين المكان.


استدرت بعد لحظة إلى كويزومي قائلاً:


" دعني أحزر ، لديك أنت ايضاً شئ تقوله بخصوص سوزوميا ."


كنا نحن الثلاثة فقط في الغرفة . هاروهي أصبح عليها الدور لتنظف الصف و اساهينا- سان لم تصل بعد .


" آه ، يبدوا من ردة فعلك أن الفتاتان قد أدلتى بدلوهما قبلي. "


رمى كويزومي نظرة في اتجاه ناغاتو اللتي كانت كالعادة منشغلة بكتابها . أجد تصرفه كأنه يعرف كل شئ يُعرف مزعجاً جداً.


" فلنجد مكاناً آخراً لنتحدث فيه براحتنا ، لن يكون الأمر مضحكاً إن سمعتنا سوزوميا- سان بالخطأً ."


ذهبنا أنا و كويزومي إلى مقصف المدرسة و جلسنا على إحدى الطاولات هناك. أظهر كويزومي لطفه المزعوم بأن اشترى لي كوباً من القهوة في طريقنا إلى هناك، و بالرغم من أنني أعلم أن جلوس شابين على نفس الطاولة أمر غريب إلا أنه لابد منه هذه المرة.


" ما مقدار اللذي تعلمه عن الوضع؟"


" على الأقل ، أن سوزوميا ليست شخصاً عادياً."


" لقد وفرت علي الكثير من الشرح . ما ذكرته صحيح تماماً."


هل هذه نكتة أم ماذا؟ كل أعضاء لواء س أو س الثلاثة أتوا لي ليخبروني أن هاروهي ليست بشراً . أيعقل أن دارات أدمغتهم تعطلت بسبب الاحتباس الحراري؟!


" أخبرني من أنت بالضبط قبل كل شئ."


الأولى أخبرتني أنها فضائية و الأخرى قالت أنها مسافرة عبر الزمن . لقد فهمت اللعبة...


" لن تخبرني أن لديك قوىً خارقة أليس كذلك؟"


" ليس هناك سبب لأفترض الآن!"


هز كوزومي كأسه قليلاً.


" ذلك ليس دقيقاً تماماً إلا أنه إلى حد ما صحيح. أنا ما تسمونه بالرجل الخارق، أي أنني أمتلك فعلاً قوى خارجة عن الطبيعة." شربت قهوتي في صمت. ممم...حلو أكثر من الازم . كان لابد له أن يقلل من السكر عندما اشتراه.


"كنت أفضل أن لا أنقل إلى هذه المدرسة بهذه الطريقة المفاجئة، إلا أن الوضع تغير مما أجبرني على ذلك. لم أتوقع أبداً أن تتواصل الفتاتان مع بهذه السرعة مع سوزوميا هاروهي . قبل ذلك كانتا دائماً تراقبانها عن بعد."


توقف عن معاملة هاروهي كصنف حيواني محروس و مهدد بالانقراض!


أكمل كويزومي كلامه بعد أن لاحظ أنني قطّبت جبيني.


" أطمئنك ، نحن نحاول أقصى ما لدينا! لسنا نريد إلحاق الضرر بسوزوميا- سان . في الحقيقة ، نريد إبعادها عن طريق الخطر."


" أنت تقول نحن ، هل معنى ذلك أن هناك آخرين مثلك؟"


" هم موجودون إلا أنهم ليسوا بالكثرة اللتي تتوقعها . أنا أملك رتبة متدنية جداً فلا أعلم الكثير عن ذلك ، إلا أنني أعلم أن هناك في حدود العشرة منهم حول العالم . كلهم تحت رقابة "المنظّمة" ."


رائع ، الآن دخلت "منظّمة" على الخط!


" لست أعلم مم تتكون "المنظّمة" بالضبط أو عدد أعضائها .لكن يبدوا أن كل شئ يتم إدارته من الحيتان في المناصب العليا." " و ماذا تفعل هذه المجموعة السرية ، هذه "المنظّمة" بالضبط؟"


بلل كويزومي شفتيه برشفة من القهوة الباردة.


" كما تفضلت قبل قليل فإن "المنظّمة" نشأت قبل ثلاث سنين و مهمتها الأساسية هي مراقبة سوزوميا هاروهي. هذه المنظمة موجودة فقط لمراقبتها. لابد أنك فهمت ماأرمي إليه أليس كذلك؟ أنا لست العضو الوحيد المتواجد في هذه المدرسة ، هناك أعضاء أقدم مني بكثير . لقد انتقلت إلى هذه المدرسة فقط كإجراء مؤقت لمساعدتهم."


تبادر وجه تانيغوشي إلى ذهني للحظة ، هو قال لي أنه كان مع هاروهي في صف واحد منذ الأعدادية . هل يعقل أنه يملك قوى خارقة مثل كويزومي؟ " أنت تمزح معي ، أليس كذلك؟"


تظاهر كويزومي بعدم السماع و أكمل.


"مع ذلك، لا أستطيع أن أضمن لك أن جميعهم في صف سوزوميا- سان."


ماللذي يراه كل هؤلاء في هاروهي بالضبط؟! هي ليست إلا فتاة غريبة و مجنونة تصعّب الحياة على الآخرين ، هذا إن استثنينا كونها تظن أن العالم يدور حولها. هل هي بتلك القيمة اللتي تستدعي أن تقوم "منظّمة" بأكملها بإنفاق الموارد لحمايتها؟ أعرف أنها فتاة جميلة جداً و لكن...


"لست أعلم ماللذي حصل فعلاً قبل ثلاث سنين . كل ما أذكره هو أنني لاحظت في أحد الأيام قبل ثلاث سنين أنني أمتلك قوىً خارقة . كان الأمر مفزعاً جداً ، لم أكن أعلم ماللذي يجدر بي فعله. لحسن حظي لم يمض الكثير من الوقت حتى جندتني "المنظمة" في صفوفها . كنت في الأغلب سأنهي حياتي لو لم يحدث ذلك ، كنت مقتنعاً أن شيئاً لم يكن بخير في عقلي."


أنا أعلم منذ أن التقيتك أن عقلك به شئ.


" في الحقيقة ذلك ليس مستحيلاً ، إلا أننا نتخوف من الاحتمالات غير المتوقعة الأكثر رعباً."


مبتسماً على عيوبه ، شرب كويزومي رشفة أخرى من كوبه ثم نظر إلي بعينين جادّتين.


" متى تظن أن هذا الكون خرج من العدم؟"


سألني سؤالاً صادماً فجأة.


" ألم الكون يبدأ مع الانفجار العظيم؟"


" هذه هي النظرية السائدة ، إلا أنه بالنسبة لنا فإن الاحتمال الاكثر وروداً هو أن الكون بدأ قبل ثلاث سنين."


نظرت مرات و مرات في وجه كوزومي محدقاً . ما قاله لا يعقل أن يكون صحيحاً بأي حال من الأحوال.


" هذا الكلام ليس ممكناً! استطيع أن أتذكر بوضوح أشياء حصلت قبل هذه الثلاثة سنين . أضف إلى ذلك أن أمي و أبي مازالا حيين و بكل عافية. لازلت أمتلك ثلاث غُرز من المرة اللتي وقعت فيها في أحد المجاري. و كيف تريد أن تفسر كل الهراء اللذي بقي في رأسي بعد أن حفظته كالمجنون من كتب التاريخ؟"


"حسناً ، إذاً كيف يمكنك أن تتأكد أن جميع البشر و من بينهم أنت و جميع ذكرياتهم الحالية لم يوجدوا مرة واحدة؟ إن كان ذلك فعلاً صحيحاً فليس هناك حاجة للاصرار كثيراً على ثلاث سنين. ليس هناك دليل أن العالم لم يوجد في الخمس دقائق الماضية و أن الحياة بدأت منذ ذلك الحين."


".................."


" حاول أن تتخيل واقعاً افتراضياً على سبيل المثال . دماغك موصّل بكابلات كهربائية و كل ما تراه ، ما تسمعه ، بل وحتى ما تشمه و تلمسه يتم توصيله على شكل شحنات كهربائية عن طريق هذه الكابلات. ستؤمن أنت و بالرغم من ذلك أن كل ما تعيشه هو حقيقي. ما نسميه ب"العالم الحقيقي" هو أكثر هشاشة مما تتصور."


" فلنسلم جدلاً أنني أصدّق كل ما قلته. ليس مهماً إن وجدت الأرض قبل خمس دقائق أو ثلاث سنين. المهم هو ما علاقة وجود منظمتكم بهاروهي بالضبط؟"


" رئيس منظمتنا يؤمن بأن هذا العالم هو ليس إلا حلم شخص. نحن ، لا بل هذا الكون كله ليس أكثر من حلم . و لأنه ليس أكثر من حلم فإن إيجاد واقع مثل واقعنا هذا هو أسهل من ضبط الساعة بالنسبة لهذا الشخص ، ونحن نعلم جميعاً من هو بالضبط."


ربما كان ذلك بسبب فصاحة لسانه ، إلا أن وجه كويزومي يبدوا فعلاً ناضجاً.


" يسمي البشر أولئك اللذين يوجدون و يدمرون الأشياء متى شاءوا بالألهة..."


هي هاروهي! مبروك! لقد أصبحت اخيراً إلهاً!! يا إلهي..


" بسبب ذلك فإن إجراءات "المنظّمة" كان دائماً حذرة جداً. إن غضبت هي على هذا الكون، فإنه سوف يُحّطم و يستبدل بآخر. تماماً مثل طفل لم تعجبه القلعة الرملية اللتي بناها فحطمها و بنى أخرى. أنا أعلم جيداً أن هناك الكثير من الخلافات اللتي لم تُحل بين البشر في هذا العالم ، إلا أنه لا يزال عالماً يستحق العيش فيه. هذا هو السبب اللذي يدفع "المنظمة" للمساهمة في حمايته."


" لم لا تذهب إلى هاروهي مباشرة و تخبرها بكل هذا؟ قل لها أن تتوقف عن تدمير العالم ، قد تصغي إليك إن خاطبتها بلطف."


" بالتأكيد لا تعلم سوزوميا- سان شيئاً عن كل هذا . هي ليست واعية بالقوى المكتنزة داخلها. عملنا هو ضمان أن لا تعي بها أبداً و تمضي حياتها في سلام."

بدأ كويزومي يبتسم مرة أخرى بعد أن أفرغ مافي جعبته.


" سوزوميا- سان هي حالياً ليست إلهاً ذا قوى كاملة ، حيث أنها لا تملك القدرة أن تتحكم و تغير في العالم بحسب مشيئتها . لكن و بالرغم من هذا النقص في قوتها إلا أننا نرى دلائل عليها بغض النظر."


" فكر في الأمر للحظة ، لم يوجد هناك حول سوزوميا- سان أصحاب قوى خارقة مثلي أو أشخاص مثل اساهينا ميكورو أو ناغاتو يوكي؟ السبب هو أن سوزوميا- سان أرادت وجودهم."


إن كان في هذا الصف ، أو في المدرسة ، فضائي ، مسافر عبر الزمن أو عابر له أو من يمتلك قدرات خارقة فليسجلوا اسمائهم عندي!

تذكرت مباشرة ما قالته هاروهي عندما عّرفّت بنفسها بداية الفصل الدراسي.


" و لأنها لم تكتشف قدراتها بعد فهي لا تستطيع استعمالها بفاعلية تامة ، هي تستعملها فقط بطريقة عشوائية و غير واعية. بالرغم من ذلك فإن سوزوميا- سان أظهرت في الأشهر الماضية مرة بعد أخرى قدرات تتخطى الفهم البشري بمراحل. و كما تعلم فإن ذلك أدى إلى انضمامي أنا و الفتاتان إلى نادي سوزوميا- سان."


ألا يعني ذلك أني الوحيد من خارج الحَلَقة هذه؟


"ذلك ليس صحيحاً تماماً. أنت بالنسبة لنا كائن غامض. تفحصت المعلومات اللتي وجدناها عنك مرات عدة ، أرجوا أن لا يغضبك ذلك. أستطيع أن أؤكد لك أنك انسان طبيعي بدون أي قدرات."


هل هذا مديح لي؟ أم يجدر بي أن أكون محبطاً؟


"أنا أيضاً لا أعلم ذلك. إلا أن مصير العالم قد يكون في يديك الأثنتين .لذلك يجب عليك أن تتأكد أن لا تكره سوزوميا- سان عالمنا هذا."


" مادمت تؤمن أن هاروهي هي الرب" أقترحت عليه. " لم لا تختطفها و تفتح دماغها؟ من يعلم ؟لعلك تقع على أسرار هذا الكون!"


"هناك بعض المتطرفين في "المنظّمة" اللذين يشاركونك الرأي فعلاً."


أومأ كويزومي برأسه ثم أكمل.


" إلا أن الأغلبية ترى أن أفضل مسار هو تركها لوحدها. أن نغضب الرب بالقيام بشئ مثل هذا لهو احتمال وارد جداً ، و في تلك الحالة فإن كارثة كبيرة ستقع. نحن نأمل لهذا العالم أن يبقى مثل ما هو و لذلك نريد بطبيعة الحال أن تعيش سوزوميا- سان حياتها بسلام. ليس لدينا شئ لنكسبه من حصول حدث مدمر."


".... و ماللذي يجدر بنا الآن فعله؟"


" هذا ما لا أعرفه أنا ايضاً."


" بالمناسبة، ماذا سيحلُّ بالعالم لو أن هاروهي ماتت فجاة؟"


" هل سينتهي العالم بنهايتها ؟ أم أن وجودها سينتهي ببساطة؟ أم سيأتي أحد آخر ليحل مكانها؟ لم يحصل ذلك من قبل فليس هناك أحد يعلم النتيجة." وضعت القهوة اللتي أصبحت باردة جانباً . لم أكن في مزاج لشرب القهوة بعد كل هذا.


" أنت تدّعي أنك تملك قوىً خارقة؟"


" إلى حد ما ، ذلك ليس دقيقاً تماماً إلا أنه في النهاية صحيح."


" إذاً أرني بعضاً من قواك هذه ، سوف أصدقّك إن أمكنك ذلك. إجعل هذه القهوة الباردة ساخنة مرة أخرى مثلاً."


ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه كويزومي . هذه أول مرة أرى فيها ابتسامته الحقيقية.


" للأسف لا يمكنني ذلك ، قدراتي ليست بتلك البساطة. تحت الظروف الطبيعة لا أملك أي قوى غير عادية ، لابد أن تتحقق شروط معينة كي اتمكن من استعمالها. لكن لا تقلق أنا مقتنع أنك ستحظى بفرصة لرؤيتها بنفسك في يوم قريب."


" إعذرني إن كنت أخذت الكثير من وقتك. أظنني الآن سوف أعود إلى المنزل." قال كويزومي ذلك ثم أنصرف و ابتسامة تعلوا وجهه.


نظرت إلى ظهر كويزومي إلى أن اختفى من ناظري ثم أمسكت بكوب القهوة.


كان كالمتوقع... لا يزال بارداً.


عندما عدت إلى غرفة النادي وقعت على مشهد اساهينا- سان وهي واقفة بلا شئ سوى ملابسها الداخلية.


"................"


كانت اساهينا- سان تنظر إلي و يدي متجمّدة على مقبض الباب . كانت تحمل في يدها زي الخادمة اللتي أعطتها إياه هاروهي و كان فمها قد بدأ ينفتح ببطأ وهي تستعد للصراخ.


" أنا آسف."


قبل أن تحصل على فرصة كي تصرخ كنت قد سحبت قدمي من داخل الغرفة و أغلقت الباب بأسرع ما يمكن. بسبب ذلك استطعت أن اتفادى الصيحة القادمة. كان يجدر بي فعلاً أن أطرق الباب. لحظة، بل كان يجدر بها أن تغلق الباب إن أرادت تغيير ثيابها!


و بينما كنت اتساءل إن كان يجدر بي حفظ صورة جسمها الأبيض المتناسق في ذاكرتي طويلة الأمد ، جاء طرق خفيف من خلف الباب رافقه صوت رقيق :" يمكنك الدخول الآن.."


" إعذريني عما حصل."


" لا داعي للإعتذار.."


كانت اساهينا- سان تطأطأ رأسها و هي تفتح الباب و تعتذر . أصبح وجهها أحمراً و قالت:


" سامحني، أظهر لك دائماً جوانب مخجلة.."


لست منزعجاً بالمرة.


يالها من فتاة هادئة و مطيعة . حتى أنها ارتدت زي الخادمة مثلما طلبت منها هاروهي.


لطفها ببساطة ليس له حدود.


بدأت أخاف أن تتحول نظراتي إلى إتجاه الأقل لياقة إن حدقت في اساهينا- سان أكثر. مستجمعاً كل ذرة امتلكها من المنطق في محاولة لإبقاء هذه الافكار تحت السيطرة، جلست على كرسي صاحبة الامر و النهي و فتحت الحاسوب.


إثر إحساسي أن هناك احداً يراقبني، استدرت إلى الوراء لاستكشف الأمر ووجدت ناغاتو تحدّق فيّ مباشرة على غير عادتها. قامت بعد ذلك برفع نظارتها قليلا و عادت إلى القراءة. كانت تحركاتها هذه طبيعية جداً و لا توحي بأي حال أنها كائن من مكان آخر.


فتحت متصفح الانترنت و ذهبت إلى صفحة النادي الالكترونية، كنت أريد أن أفعل شيئاً بهذه الصفحة اللتي لا تتغير، إلا أنني لم أدري أين أبدأ. كنت أرى دائماً أن العمل على صفحات مثل هذه هو مضيعة للوقت و لذلك فقد كنت دائما أغلق الصفحة متنهداً. لكن الملل أخذ مأخذه مني هذه المرة، و لم أستطع أن استمر في لعب عطيل أكثر من ذلك، كان لابد من البحث عن شئ لأقتل الوقت به.


و أنا أطوي ذراعي مقطباً حاجبيّ وجدت كوباً من الشاي وضع أمامي. كانت تلك اساهينا-سان بزي الخادمة، كانت قد وضعت الصينية على الطاولة بابتسامة. أحس و كأنني أمام خادمة حقيقة...


"شكراً."


لم يمض الكثير منذ أن دعاني كويزومي إلى القهوة لكنني بالطبع سوف أقبل هذا الشاي شاكراً.


جلست اساهينا- سان بجانب ناغاتو بعد أن سكبت لها الشاي مرة أخرى، ثم بدأت تنفخ في كوبها قبل أن تشرب.

في نهاية الأمر، لم تطأ قدما هاروهي النادي اليوم.


"لماذا لم تأتي بالأمس؟ ألم تريدي عمل اجتماع لمراجعة ما حصل؟"


متبعاً العادة والتقليد اليوميين، استدرت وبدأت الكلام مع الفتاة خلفي.


كانت هاروهي واضعة ذقنها على المكتب، وعلى إثر سماعها سؤالي رفعت عينيها واستعدت للبدء في التذمر.


"كم أنت مزعج. إن كان الأمر يتعلق بالمراجعة فسأقوم بعملها لوحدي."


عندما سألتها عمّا حصل أخبرتني هاروهي أنها عادت بعد المدرسة أمس ومشت في نفس المسار الذي بحثت فيه مع الاثنين الآخرين يوم السبت مرةً أخرى. "ظننت أنه كان هناك شيء قد غفلت عنه."


يبدوا أن المحققين ليسوا الوحيدين اللذين يعودون إلى مسرح الجريمة للمرة الثانية.


"أحس بالحر والتعب. متى سيسمحون لينا بتغيير الزي الموسمي، أريد أن ألبس ثياب الصيف بدلاً من هذا الرداء الخانق."


تغيير الزي لن يأتي قبل يونيو. لازال هناك حوالي أسبوع باقٍ من مايو.


"سوزوميا، قد أكون قد قلت لك هذا من قبل، ولكن لم لا تتركين عنك بحثاً لا طائل منه عن الغرائب وتجربين التسلية كطالبة ثانوية عادية؟" قامت هاروهي من مكانها منفجرة ونظرت في عيني بنظرة قاتلة....... أو على الأقل هذا ما كنت أتوقعه إلا أن نبوءتي لم تتحقق. لا يزال خد هاروهي ملتصقاً كما هو بالمكتب. يبدوا أنها فعلاً متعبة.


"ما هذه التسلية العادية التي تتكلم عنها؟"


لم يكن هناك أي حماس في صوتها.


" كما أخبرتك من قبل، أليس بإمكانك أن تجدي فتىً مناسباً كي تستكشفي المدينة معه بدلاً منا؟ بإمكانك جعل الأمر موعداً وضرب عصفورين بحجر واحد." اقترحت ذلك على هاروهي مستحضراً الكلمات التي قالتها لي اساهينا- سان ذلك اليوم.


" لا تنسي أن نظرة الشبان لكي ليست سلبية، هذا إن استثنينا شخصيتك الغريبة طبعاً."


" همف. أفضل أن أعتني بالزهور على أن أخرج معهم. أتدري ما هو الحب؟ هو وهم ساعة لا أكثر، لا بل هو مرض من الامراض النفسية. قالت لي هاروهي ببرود بينما اتخذت من المكتب وسادة لها وهي تنظر خارج النافذة بملل.


"حتى أنا أصبح في المزاج لتلك الأشياء أحياناً قليييلة إن كنت لا تعلم. أنا في النهاية فتاة شابة في تمام صحتي، حتى أنا أحس بضغوط من جسدي. ولكنني لست من الغباء بمكان أن أدع ضعف ساعة يرميني في دوامات أنا في غنى عنها.

للأسف لم تنتهي من بناءه بعد حقاً.

" يجدر بك أن تختاري إحدى حلقات اللهو لا أكثر. هناك يجتمع الناس على أية حال. "

" لا."

رفض بكلمة واحدة.


" لقد بنيت لواء س أو س بالضبط لأن هذه الأشياء مملة، بل ذهبت واحضرت إليه شخصية موي ومنتقلاً غامضاً. فلم إذاً لم يحصل شيء مثير بعد؟!! آآآه أرجوا أن يحصل حادثُ مثير قريباً، على الأقل شيء واحد مسلٍ! "


هذه أول مرة أرى هاروهي في هذه الحالة المتعبة، إلا أن وجهها الضعيف يبدوا أكثر جاذبية من العادة. حتى بدون أن تبتسم، لو كانت فقط تقابل الآخرين بوجه عادي لاستحوذت على قلوبهم بالتأكيد. هي بلا شك خسارة فادحة.


بعد ذلك انتهى الأمر بهاروهي بقضاء أغلب اليوم الدراسي في النوم. إنها بلا شك معجزة أنه لم يوجد معلم واحد استطاع ملاحظة ذلك... لا بل هي صدفة، لا شك في ذلك.


ولكن في ذلك الوقت، كانت عجلة الأحداث قد بدأت في الحركة. ولكن لأن الأمور لم تبدأ مصحوبة بأي بهرجة تذكر فلذلك لم يلحظ تلك البداية أحد، وانتهت بدون أن يلحظ تلك النهاية أحد، ولكنني على الأقل إن لم نتكلم عن أي شخص آخر، كنت غارقاً في هذه الأحداث صباح هذه اليوم حتى أخمص قدمي.


في الحقيقة كنت قلقاً حتى في أثناء الوقت الذي كنت أكلم فيه هاروهي، سبب قلقي ذلك كان رسالة قذفها أحدهم داخل صندوق حذائي.


محتوى تلك الرسالة كان الآتي:


"بعد نهاية الدوام، عندما يذهب الجميع إلى المنزل، تعال إلى صف 5-1 لوحدك."


كان من الواضح أن المرسل فتاة.


كيف يجدر بي أن أفسر هذه الرسالة؟ عقدت في داخلي اجتماعاً طارئاً لبحث هذه المسألة.


الاحتمال الأول لخص نفسه في الفكرة التي خطرت ببالي أول ما وقعت عيناي على الرسالة: "ألم يحصل لي شيء مثل هذا من قبل؟" ولكن الخط كان مختلفاً عن ذلك الذي وجدته في رسالة ناغاتو. ناغاتو، التي تدعي بأنها من الفضاء، كتبت رسالتها بخط شديد الجمال، يكاد يكون مطبوعاً، بينما هذه الرسالة تعطيني الانطباع بأن فتاة عادية في المرحلة الثانوية قد كتبتها. أضف إلى ذلك أن ناغاتو لن تستعمل وسيلة مثل وضع رسالة في خزانة حذائي.


الاحتمال الثاني قال: "هل من الممكن أن المرسل اساهينا-سان؟". لا ذلك ايضاً مستبعد، لو أن الشخص الذي كتبها كان اساهينا-سان لما استعملت ورقة مأخوذة من أي دفتر امامها وكتبت عليها بدون استعداد ولا ظرف ثم وضعتها في خزانة حذائي.


أضف إلى ذلك العامل الغريب المتمثل في وقوع الاختيار على صفي من بين جميع الصفوف، مما جعل فكرة " أيعقل أن المرسل هاروهي؟!" تدور في رأسي للحظة. إلا أن ذلك مستحيل بلا شك، لو كانت هاروهي تريد شيئاً لسحبتني بنفسها على الدرج واخبرتني بالذي تريده.


وبنفس المنطق استبعدت كون المرسل كويزومي ايضاً. الرأي الرابع والأخير كان " ربما هي رسالة حب من شخص غريب؟" ولكن التفكير في ذلك ليس ذا معنى، المهم أن أحدهم ناداني وهو ليس بالضرورة فتاة اصلاً.


"لا تقع في هذا الفخ! هي مؤامرة من كونيكيدا وتانيغوشي!" كان هذا الاحتمال الأقوى. لا استبعد أن ذلك الأحمق تانيغوشي كان يريد أن يلعب مثل هذه اللعبة السخيفة علي، إلا أنه في الاغلب كان سيكتب أكثر من ذلك في الرسالة.


برأس مثقل بمثل هذه الأفكار، كنت أدور بين أروقة المدرسة. هاروهي احتجت بكونها لا تشعر بخير وعادت بسرعة إلى المنزل. صدفة مريحة بالنسبة لي بلا شك.


قررت أن أعود إلى غرفة النادي للوقت الحالي. لم أرد أن أعود مبكراً إلى الصف لأجده خالياً وأقف لأنتظر شخصاً لا أعرفه، أضف إلى ذلك احتمال قدوم تانيغوشي بابتسامة عريضة قائلاً: "يو، منذ متى أنت هنا؟ أن تكون تلك القصاصة التافهة قد دفعتك فعلاً إلى القدوم هنا مسرعاً ثم الانتظار، لازالت ساذجاً يا كيون، هي هي هي."


بعد أن أقتل القليل من الوقت سوف آخذ نظرة سريعة إلى داخل الصف لأتأكد ألا أحد هناك ثم أعود أدراجي، خطة مثالية لو سألتني. وصلت بعد قليل إلى غرفة النادي. بالطبع لم أنسى أن أطرق الباب هذه المرة.


"نعم، تفضل."


بعد أن تأكدت أن اساهينا-سان أعطت الضوء الأخضر، قمت بفتح الباب. كانت اساهينا-سان في زي الخادمة، هذا الزي الذي لا اتعب منه مهما رأيته. " لقد تأخرت بعض الشئ. أين سوزوميا-سان بالمناسبة؟"


حتى رؤيتها وهي تصب الشاي أصبحت مريحة بالنسبة لي.


"لقد ذهبت إلى المنزل، يبدوا أنها في حالة سيئة الآن. إن كنت تفكرين في الانتقام فالآن هي فرصتك."


"لن أفعل شيئاً مثل ذلك ابداً!"


كانت ناغاتو منشغلة بقراءة كتابها في الخلف بينما أنا واساهينا-سان نشرب الشاي مع بعضنا. كان الوضع كالمعتاد، تجمع لأناس لا يجمعهم الكثير في الواقع ويقضون وقتهم في فعل لا شيء.


"ألم يأت كويزومي؟"


"لقد أتى لفترة قصيرة إلى النادي إلا أنه ذهب قائلاً أنه يجب أن يداوم في عمله المؤقت قريباً."


أتساءل ما هذا العمل الذي يقوم به كويزومي. على أية حال، هذا يؤكد نظرية أن كويزومي و هاروهي بريئان.


حيث أنه لم يكان هناك فعلاً شيء لنفعله فقد بدأت انا و اساهينا-سان بتجاذب اطراف الحديث اثناء لعب عطيل. بعد ثلاث مباريات فزت بها جميعاً توقفنا عن اللعب وذهبت لأتصفح النت، وفي تلك اللحظة أغلقت ناغاتو كتابها. أصبحت هذه الحركة نوعاً من الإشارة بأن وقت نشاطات النادي قد انتهى (حتى ولو لم نكن نعلم ماهي هذه النشاطات اساساً) وبدأ كل منا بحزم اغراضه استعداداً للمغادرة.


"أود تغيير ثيابي فأرجوا أن تتقدم." هرعت على إثر قول اساهينا-سان ذلك خارج الغرفة.


كانت الساعة تشير إلى الخامسة والنصف. لا أظن أن أحداً بقي في الصف؟ حتى لو كان الأمر مقلباً من تانيغوشي فلا أظنه يصبر كل هذه المدة. ولكنني بغض النظر عن ذلك صعدت الأدراج إلى الصف لأتأكد. هناك تلك الفرصة الضئيلة جداً أن يكون هناك أحد. أليس كذلك؟


أخذت نفساً عميقاً وأنا أقف في ذلك الرواق الخالي من أي حركة. كان زجاج نافذة الباب من النوع الضبابي فلم أتمكن من رؤية ما كان يحصل بالداخل، إلا أنني تمكنت من رؤية لون الغروب البرتقالي من خلالها.


وضعت يدي على مقبض الباب، وحاولت متعمداً الدخول بكل هدوء، كأن شيئاً لم يحصل.



لم يفاجئني وجود أحد هناك بالمرة مقارنة بالمفاجئة التي شكلتها هوية ذلك الشخص. ذلك الشخص الواقف أما السبورة السوداء لم يكن مشمولاً في حساباتي من الأساس.


"أنت متأخر."


كان الشخص الذي قال لي تلك العبارة ضاحكاً هو اساكورا ريوكو.


عابثة بشعرها الطويل الناعم، نزلت اساكورا من المنصة الصغيرة في الصف.


قامت بالمشي قليلاً إلى أن وصلت إلى مركز الصف ثم رفعت يدها وهي لاتزال مبتسمة، كأنها تدعوني للدخول.


"لم لا تدخل؟"


كانت تلك الحركة نوعاً من الإشارة التي ايقظتني للدخول بعد أن كنت قد فتحت الباب للنصف ووقفت ذاهلاً هناك.


"أنت المرسل إذاً...."


"نعم. غير متوقع أليس كذلك؟"


ضحكت اساكورا في أريحية. كان النصف الأيمن من جسدها مصبوغاً بنور الشمس الغاربة الأحمر.


"هل لك شيء تريدينه مني؟"


تعمدت ألا أدع تساؤلاتي وأفكاري تتسرب في هذا السؤال الغامض، الذي أجابتني عليه اساكورا وهي لا تزال تبتسم:


"أنا فعلاً أريد منك شيئاً. إلا أنني وقبل ذلك أريد أن اسألك سؤالاً."


كانت يقابلني وجه اساكورا الأبيض.


" إن الناس كثيراً ما تردد:" أن تفعل شيئاً وتندم عليه، أفضل من ألا تفعل شيئاً وتندم على ذلك" ما رأيك في هذه المقولة؟"


" لست أدري إن كان ذلك فعلاً قولاً منتشراً، إلا أنني أظنه واضحاً في ذاته."


" إذاً فأجبني عن هذه. إن كان الإبقاء على الوضع الحالي له نتائج سيئة، إلا أنك لا تعرف ماللذي يجب فعله لجعل الأمور تأخذ منحىً إيجابياً، ما للذي ستفعله؟"


"ماللذي تتكلمين عنه؟ هل موضوعنا الاقتصاد الياباني؟"


تجاهلت اساكورا سؤالي بدون أن يطرأ على ابتسامتها تلك أي تغيير.


" ألا ترى أن فعل أي شيء للتأثير على الوضع هو الأسلم؟ خصوصاً أنه لا شيء سيتغير إن لم يفعل أحدهم شيئاً."


"همم، قد يكون ذلك صائباً احياناً."


"ذلك ما قصدته."


مالت اساكورا بجسمها قليلاً إلى الأمام ويداها خلف ظهرها.


"ولكن للأسف، المسؤولون فوق لازال تفكيرهم متصلباً، ليسوا متصلين بالحقائق المتغيرة على الأرض. ولكن الوقائع لن تنتظرنا. إن لم نفعل شيئاً فإن الوضع سوف يتطور باستمرار في اتجاه سيء. ولذلك، كوني شخصاً يعايش هذه الوقائع وعلى دراية بها، فلا مندوحة في أن اتدخّل بنفسي لوقف هذه التدهور، أليس كذلك؟"


ماللذي تحاول هذه الفتاة أن تقوله؟ هل هذا مقلب أم ماذا؟ قمت بمسح الغرفة بعيني كي أرى إن كان تانيغوشي مختبئاً في خزانة الصف أو تحت إحدى الطاولات أو شيئاً من هذا القبيل.


" لقد مللت وتعبت من مراقبة وضع لا يتغير، ولذلك..."


كنت مندمجاً في البحث بعيني في الغرفة لدرجة أني لم أسمع جيداً ما قالته اساكورا.


"سوف أقتلك، وأرى ما ردة فعل سوزوميا هاروهي."








الفصل الرابع الصفحة الرئيسية